الجزء الثالث
من الأسباب المهمة التي ساعدت على انتشار ظاهرة الشيعة فوبيا هو الخلل المعرفي في ثقافة المواطن العربي حول الشيعة وايران. والخلل المعرفي هو نتيجة لندرة المعلومات الصحيحة حول الشيعة في مقابل انتشار الكثير من المغالطات حولهم والتي اصبحت من المسلمات في أذهان الغالبية الساحقة من العرب ويتم تداولها وكأنها حقائق غير قابلة للنقض بالإضافة إلى شيوع منهج انتقائي في تقييم الشيعة. وسوف اقتصر هنا على تناول المغالطات السياسية والحقوقية واتجنب مناقشة المغالطات العقائدية لانها تحتاج الى اطالة.
بعض المغالطات حول الشيعة وايران.
1- الادعاء بأن طهران هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها جامع واحد لأهل السنة. وقد حيكت حول هذا الموضوع الكثير من القصص الخيالية والتي يتم تداولها كمسلمات. كالقول بان اهل السنة لا يجدون مكانا في طهران لصلاة الجمعة الا السفارة السعودية والباكستانية إلى أن منعتهم الحكومة الايرانية من ذلك.
والقول بأن المرجع الشيعي المعروف مصباح اليزدي وفي معرض رده عن سؤال حول سبب امتناع الحكومة الإيرانية السماح ببناء مسجد لاهل السنة في طهران اجاب قائلا: متى سمح لنا ببناء حسينية في مكة عند إذ سوف يسمح لهم ببناء مسجد في طهران. وكل هذة الادعائات لاساس لها من الصحة لانه يوجد في طهران عشرات الجوامع السنية كما يوجد فيها العديد من المدارس الدينية السنية. ومن الطريف ان هذة التهمة تصح على البلدان العربية التي ترفض السماح ببناء مساجد شيعية سواء في عواصمها او في القرى الصغيرة في الوقت الذي تسمح فيه ببناء الكنائس كما هو الحال عندنا في اليمن.
2- اصبح ما يسمى بالمشروع الصفوي من المسلمات في اذهان الكثيرين رغم عدم توفر اي دليل مادي أو نظري يثبت وجوده. فنحن عندما نتحدث عن الصهيونية مثلا فإننا نتحدث عن تنظيم له مقرات ومؤسسين واعضاء وبرامج ومنظرين, ونفس الشيئ ينطبق على الماسونية رغم انها تنظيم يشوبة الكثير من الغموض.
كما اننا لم نسمع الى حد الان عن أي تنظيم أو أي شخصية تتبنى الصفوية في الوقت الذي بدأنا نسمع فيه عن تبني الكثير من التنظيمات والشخصيات المتطرفة قضية مواجهة الصفوية. يضاف الى ذلك ان مدعي وجود الصفوية لا يملكون تعريف محدد لمصطلح الصفوية. لذلك فاننا نلاحظ وجود فوضى واضطراب منهجي عند استعمال مصطلح الصفوية.
ومن طرائف هذة الفوضى هو ترويج البعض لمفهوم جديد يقسم الشيعة الى قسمين متصارعين. شيعة صفوية وابرز ممثليه الخامنئي والسيستاني وشيعة عرب وابرز ممثلية محمد حسين فضل الله. وقد سُأل فضل الله عن هذا فأجاب بأن الصفوية لا وجود لها في الوقع. قد يقول البعض ان الصفوية مصطلح يعبر عن المشروع الخارجي للثورة الاسلامية في ايران. اقول ان المشروع الخارجي للثورة الاسلامية في ايران موجود وبشكل واضح في ادبيات قادة الثورة ودستورها ويتحكم في سياسة ايران الداخلية والخارجية وهذا مالا تنكرة الحكومة الايرانية او تخفية.
ولكني أتساءل لماذا لا يتم دراسة ونقد المشروع الايراني من خلال ادبيات الثورة ودستورها و من خلال سياسة حكومة ايرن الداخلية والخارجية بدون الحاجة الى استحضار مصطلحلات ومفاهيم اسطورية. كما اتسائل عن القيمة المعرفية التي نحصل عليها بمجرد الاكتفاء بإطلاق مصطلح الصفوية على مشروع الثورة الإسلامية وكأنه يفسر كل جوانبها وابعادها. اعتقد ان سبب تهرب مناهضي الثورة الاسلامية من مناقشتها بمنهج علمي واقعي يعود لقوة منهج الثورة في مقابل ضعف حجتهم. ولإيضاح ذلك سوف اقدم دراسة نقدية مختصرة حول المشروع الخارجي للثورة الاسلامية في ايران.
يمكن تلخيص المشروع الخارجي للثورة الاسلامية في ثلاثة مبادىء .
المبدأالأول : تحقيق الوحدة الإسلامية على أساس القواسم المشتركة وفي اطار الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية لا في إطار وحدة المذهب. تقول المادة الحادية عشر من الدستور الإيراني: (بحكم الآية الكريمة ]إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون[، يعتبر المسلمون أمة واحدة، وعلى حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إقامة كل سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية فـي العالم الإسلامي. ).
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف اسست ايران المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية وفي نفس السياق تم تاسيس جامعة المذاهب في ايران, وهي تدرس العلوم الاسلامية حسب اراء كافة المذاهب الاسلامية, ويُدرس فيها اساتذة من مختلف الطوائف الاسلامية, وتستقبل طلابها من مختلف دول العالم الاسلامي ومن مختلف المذاهب, ويتميز خريجيها بإلمامهم الكامل بآراء كافة المذاهب الإسلامية رغم احتفاظ كل طالب بمذهبه.
وهذة الجامعة فريدة من نوعها حيث لا يوجد لها مثيل في العالم الاسلامي كله. وفي نفس السياق تقدمت الحكومة الايرانية في يونيوا 2007عبر سفارتها في مصر بطلب رسمي لشيخ الأزهر بإنشاء فرع لجامعة الأزهر في إيران للتقريب بين المذهب السني والشيعي, وكذلك السماح للطلبة الشيعة بالدراسة في جامعة الأزهر وكذلك بالسماح لعدد من اساتذة الازهر بالتدريس في جامعات إيران والسماح لأساتذة الجامعات الإيرانية بالتدريس في جامعة الازهر. أن هذا الانفتاح المذهبي لإيران لا نجد له مثيل في بقية الدول الاسلامية. فنحن لا نتوقع أن تسمح الحكومة اليمنية بإنشاء مدرسة لتدريس المذهب الشيعي, أو أن تسمح جامعة الإيمان السلفية لأساتذة شيعة بالتدريس فيها.
المبدأ الثاني : في مشروع إيران الخارجي هو نصرة المستضعفين في الارض ضد المستكبرين بغض النظر عن قوميتهم أو ديانتهم. حيث تقول المادة رقم (154) : (تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعادة الإنسان فـي المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية، وإقامة حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الناس فـي أرجاء العالم كافة، وعليه فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين فـي أية نقطة من العالم، وفـي الوقت نفسه لا تتدخل فـي الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى ).
وانطلاقا من هذا الالتزام الأخلاقي لنصرة المستضعفين كانت إيران في مقدمة الداعمين لنضال السود في جنوب افريقيا ضد نظام التفرقة العنصرية.
المبدأ الثالث : في مشروع إيران الخارجي هو تحرير فلسطين وهذا يقع ضمن اهداف الثورة الإسلامية في إيران.
من ما تقدم نستشف أن مشروع إيران الخارجي يتمثل في تحقيق الوحدة الإسلامية في إطار وحدة الموقف لا في اطار وحدة المذهب, وفي نصرة المستضعفين ضد المستكبرين, وفي تحرير فلسطين. ولأن المعادين لإيران لا يستطيعون النيل من هذا المشروع الأخلاقي لذا يلجئون إلى اختراع أسماء ومفاهيم أسطورية بعيدة عن الواقع ويحاكموا مشروعها من خلاله حتى يتمكنوا من تشويهه. ولهذا الغرض اخترعوا ما يسمى بالصفوية رغم أن هذا المفهوم ليس له وجود في أدبيات الثورة الاسلامية.
3- الادعاء بأن الدستور الإيراني قد أقصى أهل السنة حيث يتم تداول الجزء الاول من المادة (12) من الدستور الايراني التي تقول: " الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب هو المذهب الجعفري الاثنى عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير.". ويتم تجاهل بقية نفس المادة حيث تقول: " وأما المذاهب الإسلامية الأخرى والتي تضم المذهب الحنفـي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي فإنها تتمتع باحترام كامل، واتباع هذه المذاهب أحرار فـي أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي فـي مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والإرث والوصية) وما يتعلق بها من دعاوى فـي المحاكم. وفـي كل منطقة يتمتع أتباع أحد المذاهب بأكثرية، فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة - فـي حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية - تكون وفق ذلك المذهب، هذا مع الحفاظ على حقوق اتباع المذاهب الأخرى. ".
4- الادعاء بعدم وجود ممثل واحد لاهل السنة في مجلس الشورى في ايران بينما يوجد ممثلين لليهود والمسيحيين والزاردشتيين. وهذا الادعاء غير صحيح حيث ان متوسط عدد النواب السنه في مجلس الشورى يصل الى عشرين نائبا وذلك حسب نتائج كل دورة انتخابية.
5- الادعاء بأن القومية الفارسية تضطهد بقية القوميات في ايران ويستدل على ذلك بذكر الجزء الأول من المادة رقم (15) من الدستور الايراني والتي تعتبر أن اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية للدولة ويتم تجاهل بقية المادة. ونص المادة كاملة هو: "لغة الكتابة الرسمية والمشتركة هي الفارسية لشعب ايران فيجب ان تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب الدراسية بهذة اللغة والكتابة, ولكن يجوز استعمال اللغات المحلية والقومية الاخرى في مجال الصحافة ووسائل الإعلام العامة وتدريس آدابها في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية".
وبخصوص اللغة العربية فأن الدستور ينص على وجوب تدريسها حيث نصت المادة (16) " بما ان لغة القران والعلوم والمعارف الاسلامية العربية, وأن الأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل لذا يجب تدريس هذة اللغة بعد المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية في جميع الصفوف والاختصاصات الدراسية".
6- الادعاء بتعمد المسؤلين الإيرانيين ومراجع الشيعة الإساءة لرموز أهل السنة وخصوصا الخلفاء الثلاثة وعائشة زوجة الرسول (ص) بدافع إذلال أهل السنة في ايران. وقد حيكت الكثير من القصص الخيالية حول تلك المزاعم وتُتداول كمسلمات. مثل لادعاء بأن رفسنجاني عند زيارته لمقام الرسول (ص) بالمدينة بصق على قبر ابي بكر وعمر.
ومثل هذة الادعاءات لا أساس لها من الصحة. حيث ان الحكومة الايرانية تتعامل بحزم مع مثل هذة القضيا نظرا لحساسيتها. وعلى سبيل المثال حصل خطأ مطبعي في الأول من فبراير 2007 في صحيفة "سياسة روز" الايرانية حيث ورد اسم عمر ابن الخطاب خطئ في موضوع يتحدث عن شخصية أخرى. ورغم أن الصحيفة اعتذرت في اليوم الثاني عن الخطئ المطبعي الا ان مجلس الرقابة قرر حظر الصحيفة واحالتها الى المحكمة. وعلى اثر ذلك اصدر خمسة أعضاء من البرلمانيين السنة بيانا يقول: ما كان يتعين حظر الصحيفة لأنها أوضحت خطأها على الفور.
اعتماد أسلوب معرفي انتقائي في دراسة وتقييم الشيعة.
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تصيد اخطاء بعض المنتمين للمذهب الشيعي الأحياء منهم والأموات وذلك في إطار ما يمكن تسميته بتسجيل النقاط. ومصادر هذه الأخطاء إما اجتهادات شاذة لبعض مشائخ الشيعة او زلات لسان او خطأ في التعبير عن المعنى المراد أو أقوال صادرة من شخصيات شيعية تعاني من اختلالات نفسية وعقلية أو من شخصيات جاهلة غير مسئولة. وبسبب التطور التكنولجي أصبح من السهل الترويج لهذة الأخطاء في كل مكان و بالصوت والصورة. وهذة الأخطاء المنتقاة مضافا إليها المغالطات التي أشرنا إليها سابقا أصبحت هي المصدر المعرفي الرئيسي حول الشيعة في ظل الحصار المفروض على الكتب الشيعية في معظم البلدان العربية.
خاتمة:
لقد ركزت في هذة الدراسة على الجوانب السياسية والنفسية والحقوقية في دراسة ظاهرة الشيعة فوبيا. ومن اجل إثراء هذه الدراسة سوف أتناول لاحقا عددا من المواضيع التاريخية والعقائدية حتى يصل القارئ إلى فهم أشمل حول موضوع الشيعة, حيث سأتناول القظايا التالية: سقوط بغداد بيد المغول, عبد الله ابن سبأ, صلاح الدين والفاطميين, تحريف القرآن, موقف المدرستين من الصحابة. وأتمنى أن تفتح هذه الدراسة الباب لنقاش موضوعي حول الشيعة بعيدا عن العصبية والاحكام المسبقة.
والله من وراء القصد.
· ناشط سياسي وحقوقي يمني مقيم في كندا